مقال
في أصول الحوار
/22/
كنت قد أسلفت لكم بأن الحوار لا بد له كي يكون منطقيا مستساغا لدى عموم الناس من أن تكون مادته - أي مادة الحوار - هي صورة عن أمثلة سوية مختزنة في ذاكرة المحاور، و ما عدا ذلك فكل حوار لا يستند إلى مثال سوي مركون في الذاكرة فهو لا يعدو أن يكون مهاترات سخيفة و وقت مهدور دونما فائدة؛ و إن حوارا كهذا - خلا من أمثلة سوية - يكاد لا يستحق المتابعة.
فمن أراد - مثلا - أن يكون محاورا باسم "العلم" غير أنه لا يفقه المعنى الأصلي الأولي الحقيقي الجامع ل "العلم" فحواره باطل، مرفوض، و غير منطقي، ذلك بحكم عجزه و عدم تمكنه من أدوات حواره
[ أرجو ألا يتقول علي متقول في هذا الخصوص و يطالبني بتفريق بين علم شرعي و علم دنيوي! - ذلك أن العلم في حقيقته ليس بهذا و لا ذاك -
فأنا لا أعتبر الفيزياء و الكيمياء و الدراسات الجيولوجية و البيولوجية و ما يسمى بعلم النفس و ما شابه ذلك علما، فهذه كلها ليست علوما بل هي من المعرفة قولا واحدا
و كذلك الحال بالنسبة لما يسمى ب العلوم الشرعية بكافة تفريعاتها و ما يلوذ بها فهذه ليست علوما، بل هي معرفة بشرية و قراءة لمفردات العلم ]
[ العلم يعني خلق الأشياء و إضفاء الخصائص عليها و إلزامها بحركة غير قابلة لتثبيط، ولا ينال منها بشر، ولا يمكن إدراكها، ولا تحتاج بين حين و آخر إلى وقود يغذيها كي تستمر في الوجود]
إننا لن نجد محاورا صادقا في مقالته و هو في حقيقة أمره غير متمكن من أدوات حواره
و إذن: ليس المطلوب من المحاور أن يمتلك مخزونا من أمثلة في ذاكرته فحسب، بل لا بد لتلك الأمثلة أن تكون سليمة سوية مستوية على صراط مستقيم؛ فعند ذاك يكون التسليم بصحة ما يقوله الشخص المحاور و تكون لكلماته المصداقية و القبول، و ما عدا ذلك فلا حوار.
إن الفارق بين "الحوار" و "الجدال" - قياسا إلى ما سبق من كلام - أن المحاور يكون متمكنا من أدواته، فيما المجادل غير متمكن
- و كتب: يحيى محمد سمونة -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق