الأحد، 11 نوفمبر 2018

ان الطيور علي أشكالها تقع ** الشاعر ** الدكتور محمد القصاص

إنّ الطيور على أشكالها تقع
موضوع
بقلم الدكتور محمد القصاص

كثيرا ما نسمع بهذا المثل ، وقد لا نلقي له بالا ، ولكنه مثل له معنى كبيرا يجب أن نعرف عنه الكثير ، ففي حياتنا اليومية ، نلتقي بأناس كثر ، لا نستسيغ الكثير منهم ولا نستلطفهم ، وأكثر من ذلك ، فإننا نجد أشخاصا غير متزنين ، نراهم بقاماتهم وتركيبتهم الجسدية ، نحسبهم أسودا ، ولكن حينما نصطدم بحقيقتهم ، ونعرفهم أكثر ، نجد أنهم عبارة عن طبول جوفاء فارغون لا يمثلون للآدمية الكثير من المعاني . 
وحينما تستمع لأحاديثهم ، أو تقرأ لهم ، وتعرف أفكارهم ، هناك يساورك أسف شديدٌ ، وسرعان ما تغادرهم وأنت تجر أذيال الخيبة . 
المعنى ، كما يروي أحدهم .. يقول : يتفق الأشخاص الذين يحملون الذوق نفسه، أو يتشاركون الآراء نفسها مع بعضهم البعض .

• مصدر المثل
وجد هذا المثل منذ لا يقل عن منتصف القرن السادس عشر . واستخدم الكاتب وليام تيرنر نسخة من هذا المثل في كتابه للكوميديا الساخرة عن الكاثلوكي المهذب "إنقاذ الثعلب الروماني".
"الطيور من نوع ولون واحد دائما ما تطير مع قطيع واحد".

الاقتباس الأول المعروف والمطبوع من إصدار اللغة الإنجليزية المستخدمة حاليا لهذه العبارة، ظهرت عام 1955م في "القاموس الإنجليزي – الإسباني". والذي تم إعداده من قبل مؤلف المعاجم الإنجليزي جون منشو: "الطيور على أشكالها تقع".

كما ظهرت العبارة أيضا في ترجمة بنجامين جويت لكتاب أفلاطون "الجمهورية" عام 1856م. وبشكل أوضح, قد تكون موجودة في النص اليوناني الأصلي في قرابة 380 ق.م ، فإنَّ عملَ أفلاطون قد يكون مرجعا أقدم بكثير. وما ظهر في نسخة جويت:
"الرجال في عمري يمشون معا في قطيع, ونحن الطيور على أشكالها تقع , كما يقول المثل القديم".

ويمكن ترجمة نص أفلاطون بطرق أخرى, ومن الأصح أن نقول: إن جويت هو الذي قال: العبارة قديمة وليس أفلاطون . كما أن عدم وجود أي اقتباس منه باللغة الإنجليزية قبل القرن السادس عشر يشير إلى أن ترجمتها الحرفية لم تكن موجودة في "الجمهورية" وهو النص الذي كان يقرأه الكثير من علماء اللغة الإنجليزية الكلاسيكية قبل القرن السادس عشر الميلادي .

في الطبيعة وفي الواقع, أن الطيور التي تكون من نوع واحد تشكل قطيعا. ويفسر علماء الطيور ذلك السلوك بأنه "السلامة بالعدد" وذلك يعتبر تكتيك للحد من خطر الافتراس. ومن حيث اللغة, في السابق كان يشار إلى الطيور بأنها تحلق معا، وذلك أكثر شيوعا من أنها تتوافد معا. والعديد من الاقتباسات الأوائل استخدمت هذا النموذج. وعلى سبيل المثال ترجمة فليمون هولاند  ل" تاريخ ليفي الرومانية" عام 1600م:
"كما يشاع أن الطيور على أشكالها تحلق معا".

مع العلم أنه قد ورد في الحديث النبوي الشريف: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ"رواه الشيخان، البخاري عن عائشة في كتاب الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة ، ورواه في غيره، ورواه مسلم عن أبي هريرة، في البر والصلة باب الأرواح جنود مجندة، وفي أوله زيادة: "النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا، وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ" .
وورد في شروح الحديث ما يفهم منه هذه المعاني العامة عن الطيور وغيرها، وأورد ابن حجر في فتح الباري، هذه القصة التي تؤكد هذا المعنى، والتي رواها ابن عدي في الكامل: "كانت بمكة امرأة مزاحة، فنزلت على امرأة مثلها (في المدينة)، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: صدق حبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".
من هنا أردت أن أشير إلى ما أراه على صفحات التواصل الجماعي من متناقضات ، وسخافات ، يراها البعض عبثية لا معنى لها ، بينما يراها آخرون غير ذلك ، وقد يُبدي البعض عجبه بها وهي بحق لا تؤدي أيَّ معنى ، لأنها لم تبنَ على أسس ، ولم تقدم أيَّ فائدة .
وإنَّ من أغرب ما نجده ، هو ذلك الوصف الدقيق لأفكار لا معنى لها ولا أصل ، من قبل أناس محسوبون على الأدب واللغة ، إلا أنهم بطريقتهم هذه سرعان ما يكشف سرهم وتظهر حقيقتهم ، بما يقولونه وما يبدونه من إعجاب لا يستحقُّ أبدا التفكير فيه أو النظر إليه . 
لكن السخافات التي نقرأها بكثرة ، خاصة في هذه الأيام ، نتجاوز عنها اضطرارا دون أن نلتفت إليها أو نفكر بها مجرد تفكير .
لست معنيا دائما بالاعتراض على الكتابات السخيفة والرد عليها ، لكني أضطر أحيانا للتدخل من أجل محاسبة المتنطعين الذين يدسون أنوفهم في كل شيء ، بل نراهم كالنعامة التي تدس رأسها في التراب حينما تتعرض لخطر ما ، ظنا منها أنها بذلك قد تختفي عن الأعداء ، بينما جسدها الضخم يكون بارزا للعيان .
الشعراء والأدباء والمثقفون ، معنيون تماما بهذا ، ومطلوب منهم أن يتجنبوا سلوك سبل تقلل من هيبتهم وتودي بهم إلى حالة من التردي ، وخاصة عندما يعبرون بوابات لا يكون مؤداها إلا إلى نهايات مظلمة ، لا تعود عليهم بالنفع ولا بالفائدة المرجوة .
وحينما يكتب الصغار غير المتخصصين ، وأرجو أن يفهم كلامي هذا جيدا ، يجب أن لا نسارع بوضع الإعجاب على كل ما نراه ، وربما لم نقرأه بالشكل الصحيح ، بل علينا أن نقف معهم ونأخذ بأيديهم ونحاول توجيههم بالحسنى وليس بالنقد القاسي والفحش ، ونحاول ما استطعنا إلى ذلك سبيلا فتح السبل التي تقودهم إلى الإبداع والتميز . وقد نجدهم بعد فترة وجيزة ، قد نهضوا من بين الأنقاض ، وكتبوا وأجادوا وأحسنوا .
قضية أخرى مؤسفة ، هو أن بعض رواد التواصل الاجتماعي ، حينما يمرون بإعلان عن حالة وفاة ، يبادرون بوضع الإعجابات ، وهذا مؤسف حقا . 

الرأي للفائدة وليس للاستعراض ، والله من وراء القصد ،،،،

الدكتور محمد القصاص - الأردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن خطاب…مشاركتي بتطريز كلمة.. (أشواق)

مشاركتي بتطريز كلمة..   (أشواق) أشتاق للفجر كي أشتمَّ نسمتها  وأرقب الصبح كي أحظى بلقياها  شوقي ديارٌ وما زالت تراسلني  عبر النسيم ونبض القل...