المعلقة
أشعلتُ القنديلَ
وهيّأتُ الأوراقَ وقلمي ...
في هذي الليلةِ سوف أخطُّ معلَّقتي !
أخرجْتُ الطللَ الدارسَ من ذاكرتي
واستوقفتُ الأصحابَ وراحلتي ...
هبَّ الكنديُّ*برعدِ الصوتْ :
"يا سارقُ !أتركْ طللي !
لملمتُ وُرَيْقاتي خجلاً !
***
قلتُ لنفسي :في عينِ الناسِ
أنتَ الشاعرُ...
لا بدّ وأنْ تهديهمْ في هذا اليومِ قصيدتَكَ !
أبصرتُ المجنونَ ينامُ على أعتابِ حبيبتهِ
قلتُ أنادي ليلى وأغازلها
علّي أحظى بقصيدة حبٍّ للجمهور
جمهوري الغالي !
صرَّ القلمُ بحرفِ اللامِ الأوّلْ...
فانتفضَ المجنونُ كئيبًا محْمَرَّ العينينْ :
"يا خائنُ ! تأْخُذُ مَنْ سلبتني عقلي
لتبيعَ النّاسَ غرامًا !"
***
ومضى ثلثُ الليلِ وما زلتُ أعاني
لا بدّ لهذا الشاعرِ أنْ يكتبَ
أو يُنْفى من مملكةِ الشعرِ...
أحضرْتُ الكأسَ وقلتُ :
لو كانت ملئى بالخمرِ
كيفَ يكونُ اللونُ ، الرئحةُ ، الطعمُ
من هذا سأنمنمُ شعري !
لكنّي ما أنْ أمسكتُ بقلمي
حتّى انقضَّ عليَّ الحكميُّ
أخذَ القلمَ ونظرَ إلَيَّ بغضبٍ ، عطفٍ ، إشفاقٍ
"يا كاذبُ ! لا يصفُ الخمرةَ إلاّ مَنْ شرِبَ وأكثرْ "
***
قلتُ لنفسي : لم يبقَ أمامكَ إلاّ الفخرْ !
أدْلِ بدلْوِكَ في هذي البئر ْ...
إنّكَ من قومٍ حينَ أفاقوا ، سمعوا
صوتَ بلالِ الحبشيِّ ، انطلقوا لا يلوون على شيءْ ...
سمعَ المتنبّي إسمَ العربِ
فألَّبَ كلَّ قبائلِهِ ...
أشعلَ نارَ الحربِ
وقالَ بصوتٍ إعصاريٍّ :" جاءَ نبي !
لَمْلِمْ أوراقَكَ وارْحلْ !
لسْتَ من العربِ !"
***
لاحَ الفجرُ ...وقلتُ :" لنْ أكتُبَ بعدَ اليوم ْ!"
وإذا بالشيخِ العائدِ من مسجدِهِ
وأنا قد ظهرَ على وجهي جوعٌ للنومْ
يبتسمُ إليَّ :" يا ولدي !
أنتَ تُرَوّي ما زرعَ النّاسُ !
أوْقِدْ نارَكَ واصنعْ محراثَكَ
فالزارعُ لا بدّ وأنْ يحصدَ شوكًا
أو عِنَبًا "
عمر هنداوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق