كُلُّ الدُّرُوبِ تُؤَدِّي إِلَى نَخْلَة
شعر: محمد علي الهاني - تونس
***
قَمَرٌ فِي الْهَزِيعِ الأَخِيرِ مِنَ الانْشِطَارِ
يُرَفْرِفُ مُرْتَبِكًا،
يَتَأَبَّطُ أُغْنِيَتَيْنْ
ويُرَاوِدُ فِي سَاحِلِ الْفَجْرِ
بَيْنَ السَّنَى والشَّذَا نَجْمَتَيْنْ
فَتَلُوذُ النُّجُومُ بِأَصْدَافِهَا
يَتَبَعْثَرُ فِي الدَّرْبِ رِيشُ اللُّجَيْنْ.
* * *
أَيُّهَا الضَّوْءُ، لاَ تَنْسَحِبْ...
أَيُّهَا الْمَوْجُ ،لاَ تَسْتَكِنْ...
أَيُّهَا اللَّحْنُ ،لاَ تَنْتَحِرْ...
فِي الْخَمِيلَةِ عِطْرٌ
يُفَتِّشُ عَنْ وَرْدَتَيْنْ.
* * *
دَوْرَقٌ لِلْعَبِيرِ هُنَا
وهُنَا دَوْرَقٌ لِدَمِي...
مَنْ رَأَى فِي دَمِي أَنْجُمًا
سَيَرَى الشَّمْسَ تُهْدِي لِعُشَّاقِهَا قَمَرَيْنْ.
* * *
وَطَنٌ لِلْعَصَافِيرِ فِي كُوخِ فَلاَّحَةٍ
زَخْرَفَتْ بِالسَّنَابِلِ والسَّوْسَنَاتِ مَفَاتِنَهَا،
وَاسْتَوَتْ تَغْزِلُ الانْتِظَارَ قَمِيصًا
لِفَارِسِهَا بَيْنَ دَالِيَتَيْنْ.
* * *
نَخْلَةٌ تَتَعَطَّرُ فِي ظِلِّهَا الأُغْنِيَاتُ
ويَأْوِي إِلَيْهَا الْخَرِيرُ...
تُغَازِلُهَا نَسْمَتَــانِ...؛
فَتَحْتَضِنُ النَّسْمَتَيْنْ.
* * *
غَادَرَ الْبَحْرُ أَمْوَاجَه
وتَمَدَّدَ فَوْقَ الرِّمَالِ الْمُضِيئَةِ
يَرْنُو إِلَى النَّْخْلِ يَعْلُو...
ويَعْلُو...
ويَعْلُو...
يُسَاقِطُ فَوْقَ النُّجُومِ نُجُومًا
وفَوْقَ الرَّبِيعِ رَبِيعًا
وفَوْقَ الأَسَاطِيرِ أُسْطُورَتَيْنْ.
غَادَرَ الْبَحْرُ أَمْوَاجَه
وتَمَدَّدَ فَوْقَ الرِّمَالِ الْمُضِيئَةِ
يَحْلُمُ بِالْمَوْجِ فِي قَطْرَتَيْنْ.
* * *
قَامَةُ الرِّيحِ تَصْفَعُهَا نَخْلَةٌ؛
تَتَشَظَّى الرِّيَاحُ،
تُصَفِّقُ لِلنَّخْلِ كُلُّ الْمَوَاسِمِ،
تَكْتَظُّ كُلُّ الْمَسَافَاتِ بِالْيَاسَمِيِنِ،
وتَزْهُو الْمَوَاعِيدُ فِي بَاقَتَيْنْ.
* * *
يَسْأَلُ الْبَحْرُ أَمْوَاجَهُ
يَسْأَلُ الْمَوْجُ تَيَّارَهُ :
<< كَيْفَ تَذْرُو النَّخِيلُ الرِّيَاحَ ؟! >>
أَيَا بَحْرُ...،
يَا مَوْجُ...،
إِنَّ الــرِّيَاحَ بِلاَ قَامَةٍ
إِنَّ لِلنَّخْلِ فِي وَاحَتِي قَامَتَيْنْ.
* * *
نَخْلَةُ الْقَلْبِ بَاسِقَةٌ
جَسَدٌ فِي ظَلاَمِ الْحَرِيقِ يُضِيءُ
ويَسْحَبُ ظِلاًّ تَدَجَّجَ بِالْعُنْفُوَانِ؛
تَنَامُ الْمَوَاجِعُ فِي بَيْدَرٍ أَحْرَقَتْهُ السَّنَابِلُ،
تَصْحُو الزَّغَارِيدُ فِي مُقْلَةٍ
وتُرَفْرِفُ لَحْنًا خَلُوبًا
تَوَالَدَ مِنْ بَرْقِ قِيثَارَتَيْنْ.
* * *
سِرْبِنَا، فَالْمَسَافَاتُ مُخْضَرَّةٌ
والْمَحَطَّاتُ تَكْتُبُ أَسْمَاءَهَا بِالنَّوَارِسِ
سِرْبِنَا يَا دَمِي
أَيُّهَا الْعَاشِقُ الْمُنْتَمِي لِلنَّخِيلِ،
فَكُلُّ الدُّرُوبِ تُؤَدِّي إِلَى نَخْلَةٍ
آهِ ! يَا نَخْلَةَ الْقَلْبِ
مُدِّي إِلَى الطِّينِ أُمْنِيَتَيْنْ.
هُوَذَا الطِّينُ يَلْبَسُ أَحْلاَمَهُ
والْكَوَابِيسُ تَلْبَسُهُ
وعَلَى الدَّرْبِ بَيْنَ الْكَوَابِيسِ والْحُلْمِ
يَذْوِي رُوَيْدًا رُوَيْدًا
وفِي آخِرِ التِّيهِ يَعْرَى مِنَ الْغُرْبَتَيْنْ.
* * *
آهِ ! يَا نَخْلَةَ الْقَلْبِ ،
كَيْفَ الصُّعُودُ ؟
خُذِينِي إِلَيْكِ...
فَتُفَّاحَةُ الْعُمْرِ يَنْهَشُهَا الانْتِظَارُ
ولِلطّينِ فَاتِحَةٌ لِلبُكَاءِ،
وخَاتِمَةٌ لِلبُكَاءِ،
وخُفَّــا حُنَيْنْ.
* * *
بَاقَةُ الثَّلْجِ فِي كَفِّ عَاشِقَةٍ
تُشْعِلُ اللَّيْلَ فِي لَحْظَةٍ.
بَاقَةُ الْجَمْرِ تَجْرَحُ صَحْوَ الْمَوَاوِيلِ فِي لَحْظَتَيْنْ.
* * *
أَيُّهَا الْمُسْتَجِيرُ بِأَفْرَاحِهِ،
أَوَّلُ الْحُلْمِ أُرْجُوحَةٌ
آخِرُ الْحُلْمِ هَلْ يَسْتَضِيءُ بِدَالِيَةٍ فِي الْخَمِيلَةِ
أَمْ يَنْطَفِي فَجْأَةً بَيْنَ حَشْرَجَتَيْنْ ؟
* * *
مِنْ دَمِى جُلَّنَارُكِ يَا زَهْرَةً
أََيْنَعَتْ فِي الْخَرِيفِ،
نَمَتْ بَيْنَ عَاصِفَتَيْنْ.
مِنْ دَمِى جُلَّنَارُكِ...
فَامْتَشِقِي الْحُلْمَ قَبْلَ الْغُرُوبِ.
هُنَا جَسَدِي يَتَوَزَّعُ فَوْقَ الْمَدَى...
لَمْلِمِي الضَّوْءَ والزَّقْزَقَاتِ...
... ... ... أَنَا نَخْلَةٌ
والسَّمَاءُ تُجَمِّعُ صَوْتَ الْعَصَافِيِرِ فِي نَخْلَتَيْنْ.
* * *
يَتَوَهَّجُ بَيْنَ النَّخِيلِ دَمِي
يَتَأَلَّقُ بَيْنَ النَّخِيلِ اخْضِرَارِي.
إِذَا انْطَفَأَ الْحُلْمُ
يَا نَخْلَةَ الْقَلْبِ
غَطِّي حَرِيقِي بِظِلِّك
غَطِّي بِشَمْسِكِ ثَلْجِي
لأَرْحَلَ مِنِّي إِلَيَّ...
وأَرْحَلَ فِيكِ...
وأَسْعَدَ، أَسْعَدَ بِالرِّحْلَتَيْن.
شعر: محمد علي الهاني - تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق