الجمعة، 4 يناير 2019

لغتنا الجميله // الشاعر خالد حبازة

لغتنا الجميلة
في الوزن الشعري
البحث العاشر
التقفية و التصريع
1- التصريع : هو ما كانت عروض البيت فيه تابعة لضربه .. تنقص بنقصه ، و تزيد بزيادته . نحو قول امرئ القيس في الزيادة :
قفا نبك من ذكرى حبيب و عرفان ... و رسم عفت آياته منذ أزمان
و نلاحظ الزيادة في مفاعيلن في حين أن عروض جميع الأبيات مفاعلن .. فالتصريع كان في البيت الأول .
و قال في النقصان :
لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في عسيب يماني
فالضرب فعولن و العروض مثله لمكان التصريع و هي في جميع أبيات القصيدة مفاعلن كالمثال الأول.
فكل ما جرى هذا المجرى في سائر الأوزان ، فهو مصرع .
2- و التقفية : أن يتساوى الجزءان من غير نقص و لا زيادة . فلا يتبع العروض الضرب في شيء الا في السجع خاصة .. مثال ذلك قوله :
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فهم جميعا مفاعلن ، الا أن العروض مقفى مثل الضرب .
فكل ما لم يختلف عروض بيته الأول مع سائر عروض أبيات القصيدة الا في السجع فقط ، فهو مقفى .
و اشتقاق التصريع .. من مصراعي الباب ، لذلك قيل لنصف البيت مصراع ، كأنه باب القصيدة و مدخلها .
و سبب التصريع ، مبادرة الشاعر القافية ، ليُعلم في أول وهلة ، أنه آخذ في كلام موزون غير منثور .
و ربما صرّع الشاعر في غير الابتداء ، و ذلك اذا خرج من قصة الى قصة ، أو من وصف شيء الى وصف شيء آخر ، فيأتي عند ذلك بالتصريع اخبارا بذلك و تنبيها عليه . و قد كثر استعمالهم هذا ، حتى صرعوا في غير موضع تصريع ، وهو دليل على قوة الطبع ، و كثرة المادة ، الا أنه اذا كثر في القصيدة ، دل على التكلف ، الا من المتقدمين .. قال امرؤ القيس :
تروح من الحي أم تبتكر ... و ماذا عليك بأن تنتظر؟
أمرخ خيامهم أم عشر ... أم القلب في اثرهم منحدر
و شاقك بين الخليط الشكر ... و فيمن أقام من الحي هر
فوالى بين ثلاثة أبيات مصرعة في القصيدة .. و قد يجعلون أولها :
أحار بن عمرو كأني خمر ... و يعدو على المرء ما يأتمر
و قال عنترة العبسي :
أعياك رسم الدهر لم يتكلم ... حتى تكلم كالأصم الأعجم
ثم قال بعد بيت واحد
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... و عمي صباحا دار عبلة و اسلمي
فصرع البيت الأول و الثالث و الرابع .
و من الناس من لم يصرع أول شعره قلة اكتراث بالشعر ، ثم يصرع بعد ذلك كما صنع الأخطل حيث يقول في أول القصيدة :
حلت صبيرة أمواه العداد و قد ... كانت تحل و ادنى دارها نكد
و أقفر اليوم مما حله الثمد ... فالشعبتان فذاك الأبلق الفرد
فصرع البيت الثاني دون الأول .. و كذلك فعل ذو الرمة و الفرزدق و غيرهما ، و ان أكثر شعر ذي الرمة غير مصرع ،. و هو مذهب الكثير من الفحول . الا أنهم جعلوا التصريع في مهمات القصائد ، فدل ذلك على فضل التصريع .
و يقع في التصريع من العيوب ما يقع للقافية كالاقواء و السناد و الاكفاء و الايطاء و التضمين .
فمن الاقواء قول بعضهم :
ما بال عينك منها الماء مهراق ... سحا فلا غارب منها و لا راقي
و من الايطاء قول ابن المعتز :
يا سائلا كيف حالي ... أنت العليم بحالي
و من السناد قول أبي العتاهية :
ويلي على الأظعان ولّوا ... عنى بعتبة فاستقلوا
و من التضمين قول البحتري :
عذيري فيك من لاح اذا ما ... شكوت الحب قطعني ملاما
أي أن معنى الصدر لم يتم اكتماله الا بعجز البيت .
و يقال : ان الشاعر اذا لم يصرع قصيدته ، كان كالمتسور الداخل من غير باب.
أكتفي بهذا القدر بالنسبة لهذا الموضوع .
في الرجز و القصيد :
لن أطيل في هذا الموضوع كثيرا .. انما سآتي عليه بشكل سريع
يقول النحاس :
القريض عند أهل اللغة العربية الشعر الذي ليس برجز ، يكون مشتقا من قرض الشيء ، يعني قطعه ، كأنه قطع جنسا .
و قال أبو اسحق :
وهو مشتق من القرض ، أي القطع و التفرقة بين الأشياء . كأنه ترك الرجز و قطعه من شعره.
و كل نظم على الرجز يسمى " أرجوزة " وهي قصيدة طالت أبياتها أم قصرت .. أما القصيدة فلا تسمى أرجوزة ، الا أن تكون من أحد أنواع الرجز ، و لو كانت مصرعة الشطور .
وان المقصود تسمية القصيدة " قصيدة " لأن الا شتقاق من " قصدت الى الشيء " كأن الشاعر قصد الى عملها على تلك الهيئة ، و الرجز مقصود الى عمله كذلك .
و الرجز ثلاثة أنواع :
غير المشطور ، و المنهوك ، و المقطع .
فأما الأول .. نحو أرجوزة عبدة بن الطيب :
باكرني بسحرة عواذلي ... و عذلهن خبل من الخبل
يلمنني في حاجة ذكرتها ... في عصر أزمان و دهر قد نسل
و النوع الثاني ( المنهوك ) نحو قول الأخر :
القلب منها مستريح سالم ... و القلب مني جاهد مجهود
و النوع الثالث ( المقطع ) قول أحدهم :
قد هاج قلبي منزل ... من أم عمرو مقفر
و كان أقصر ما صنع القدماء من الرجز ما كان على جزأين ، نحو قول دريد بن الصمة في يوم هوازن :
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها و أضع
حتى صنع بعض المتعقبين ، و ربما كان علي بن يحيى أو يحيى بن علي المنجم , أرجوزة على جزء واحد حيث يقول :
طيف ألمْ ، بذي سلمْ ... بعد العتمْ ، يطوي الأكمْ
جاد بفم ، و ملتزم ... فيه هضم ، اذا يضم
و يقال : ان أول من ابتدع ذلك سلم الخاسر في قصيدة مدح بها موسى الهادي :
موسى المطر ، غيث بكر ... ثم انهمر ، ألوى المرر
كم اعتسر ، ثم ايتسر ... و كم قدر ، ثم غفر
عدل السير ، باقي الأثر ... خير و شر ، نفع وضر
خير البشر ، فرع مضر ... بدر بدر ، و المفتخر
لمن غبر
و يسمى الجوهري هذا النوع المقطع .
و يرى بعضهم أن مشطور الرجز ليس بشعر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
هل أنت الا اصبع دميتِ ... و في سبيل الله ما لقيتِ
و ليس هذا بدليل و انما في قول النبي صلى الله عليه و سلم عدم قيام النية ، لأنه لم يقصد به الشعر و لا نواه ، فلذلك لا يعد شعرا ، و ان يكن كلاما متزنا .
و لا يعتبر الخليل المشطور شعرا .. الا أن أقواما ردوه عليه و حاججوه .
وكان جرير و الفرزدق يرجزان ، و كذلك عمر بن لجأ كان راجزا مقصّدا أي تاظم للقصيد ، و مثله حميد الأرقط ، و العماني أيضا ، و الفرزدق كان أقلهم رجزا .
و ليس يمتنع الرجز على المقصّد " صانع القصيد " ، امتناع القصيد على الراجز . لذلك قيل هذا شاعر ، و ذاك راجز ، و كانه ليس بشاعر .
أكتفي بهذا القدر ، فان البحث فيه يطول ..
......
خالد ع . خبازة
من كتاب " العمدة في محاسن الشعر و آدابه " لابن رشيق القيرواني
 




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن خطاب…مشاركتي بتطريز كلمة.. (أشواق)

مشاركتي بتطريز كلمة..   (أشواق) أشتاق للفجر كي أشتمَّ نسمتها  وأرقب الصبح كي أحظى بلقياها  شوقي ديارٌ وما زالت تراسلني  عبر النسيم ونبض القل...