الاثنين، 2 سبتمبر 2019

هشاشة العلاقات الزوجية والأسرية إلى أين ؟!// بقلم الأديب المبدع //الدكتور محمد القصاص

هشاشة العلاقات الزوجية والأسرية إلى أين ؟!
بقلم
الدكتور محمد القصاص
تمتاز العلاقات الزوجية السليمة ، بأنها تقوم على أسسٍ ومعايير لا لبس فيها ، معايير يكتنفها الوضوح والمصداقية ، وإن خرجت عن هذه المعايير ، ستكون بمثابة بناء متهالك آيلٌ للسقوط .
في الآونة الأخيرة ، بدأنا نلحظ للأسف الكثيرَ من الفوضى والاختلالات تكتنف تلك العلاقات في مختلف المجتمعات العربية ، وبصراحة فقد انحرفت تلك العلاقات التي يجب أن تكون قائمة على العدل والاستقامة والقيم ، وخرجت عن أنماطها ومساراتها الصحيحة .
أما القوانين والأنظمة التي وضعت مؤخرا ، والتي لم تكن لتراعي واقعنا العربي ومفاهيمنا التي نشأت عليها المجتمعات ، ولا سيما فنحن ما زلنا قريبين من واقع مجتمعاتنا القديمة ، حيث كانت الجدات والأمهات ، يقضين معظم أوقاتهن في الحقول جنبا إلى جنب مع أزواجهن ، في الحراثة والحصاد وجمع المحصول والمشاركة بكل مشاق الحياة .
وكل الأجيال التي تتجاوز الأربعين من العمر ، مؤكد بأنها تتذكر هذا ولا يمكنها نكرانه ، ومع ذلك فقد كانت الحياة في ذلك العهد ، حياة هينة جميلة ومريئة يتقبلها جميع أفراد الأسرة ، ولم يلجأ أي منها إلى التأفف أو رفض ذلك النمط من العيش ، بل كان الكلُّ مشاركا في تحمل أعباء الحياة ومشاقها .
ما أبشع أن نرى اليوم في ظل هذه القوانين التي جاءت لتبعد المرأة عن مسارها الحقيقي في الأسرة ، فكأن للقوانين والأنظمة التي نادت بالمساواة بين الرجل والمرأة بالحقوق والواجبات ، جاءت لتفسر على الهوى ، فاعتقدت النسوة بأن المساواة هي أن تكون مكانة المرأة في بيتها وخارج بيتها ، وبين أفراد أسرتها ، كمكانة الرجل تماما ، بل أكثر تماديا على حقوق الرجل الذي يمثل جانب القوة والسيطرة والأمر والنهي ، في البيت بين أفراد أسرته .
وبوجود النساء المتسلطات ، والمتماديات ، أصبحت المكانة الصلبة التي خص الله بها الرجال في غير محلها ، وفقدت الأسر بذلك توازنها بل ، وانزاحت البوصلة عن اتجاهها الصحيح ، وراحت المرأة تبحث عن النفوذ والسيطرة في كل الأماكن التي تتواجد فيها سواء أكان في الأسرة أو في ميدان العمل .
لكن لا .. فقد وضع الإسلام للمرأة قانونها الخاص الذي يتلاءم مع طبيعتها ويحافظ عليها ليجعلها تعيش حياتها بطمأنينة وهدوء تام ، بعيدا عن الضوضاء والفوضى ومشاقِّ الحياة ومصاعبها .
قال تعالى في محكم كتابه :
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
وفي قول الله سبحانه تعالى : (الرجال قوامون على النساء ) أي : الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة; ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم; لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك .
لكن فهمَ الكثيرِ من النساء لمعنى هذه الآية وهي قرآن من عند الله ، يتفاوت بين امرأة وأخرى ، وربما احتج الكثير منهنَّ بناء على فهمهنَّ لهذه الآية ، إذ أنَّ قوانين المساواة بين الرجل والمرأة تجاوزت حدودها ، وخرجت عن مقتضاها ، وأصبحت تطبق بطريقة مغلوطة في المجتمعات العربية خاصة بعد أن فقدت البوصلة ، وسارت باتجاهات خاطئة ،.
ولكن المجتمعات الغربية ، التي تتعامل مع المرأة بناء على هذه القوانين بحدَّة وغلظة واحتقار ، حيث باتت المرأة بكل أحوالها تعيش عيشة هامشية بلا مكانة ولا حتى حضور ، ولم تجعل لها فرصة للاستقرار في البيت (وقرْنَ في بيوتكنَّ) وهو المصطلح القرآني العظيم ، الذي لا يمكن اتباعه في الغرب ، وفي حقيقة الأمر فقد أصبح هذا المعنى حلما لا يمكن تحقيقه في الغرب ، فالمرأة هناك أصبحتْ مهانة لا قيمة لها في المجتمع ، (عاملة ناصبة) ولا يمكن أن تتوفر لها ساعة واحدة للراحة ، وإذا بلغت الفتاة سن الثامنة عشرة ، أجمع الأبوان على طردها من البيت ، وعليها بهذه الحالة أن تتدبر أمر حياتها ومعيشتها ، ولا يمكن لها أن تنال من أبويها أية مساعدة ولو حتى على مستوى كلمة ترحيب .
وما عرفته أنا شخصيا عن المرأة في الغرب ، فإن قيمتها تكمن بجمالها فقط ، وباستعدادها لقبول الأمر الواقع المؤلم الذي يتربص بها ، وأكثر ما يميزها أيضا هو استعدادها لتلبية رغباتها الجنسية واستطاعتها جذب الكثير من الرجال من أجل الاستمتاع .
المسلسلات والأفلام العربية ، أسهمت كثيرا بانحراف المرأة ، وإبعادها عن المنطق والحياة الكريمة التي كفلها لها الإسلام ، وفي السنوات الأخيرة ، كانت معظم الأفلام والمسلسلات تعرض قضايا اجتماعية خبيثة ، تتحدث عن الخلافات الزوجية بشكل رئيس ، وكان الأبرز فيها هو التحدث عن الخلع ، وهو قانون يمكِّن المرأةَ من خلع زوجها ، أي الحصول على الطلاق من الزوج مرغما وبغير رغبة منه ورضى .
وثمة قضايا الطلاق بالخلع ، التي رأيت حالات منها في هذه الأيام ، أسهمت إلى حد كبير بتدمير الكثير من الأسر والعائلات ، وشتت الأبناء وجعلت الزوجة المنتصرة أن تميد وتتبختر بلذة ونشوة الانتصار ، فتخرج وكأنها ربحت أكبر معاركها في الحياة بأن طلقتْ زوجها عنوة ، ودون رغبة منه ، لكني في حقيقة الأمر لا أظنها أبدا ستكون سعيدة بهذه النتيجة المؤلمة ، وسوف تعظُّ أصابع الندم إن عاجلا أم آجلا . نعم هي انتصرت في حقيقة الأمر وخلعتْ زوجها ، لكنها بالمقابل خسرتْ مكانتها في المجتمع ، ولن تتمكن من تخليص نفسها من الحكايات والقصص والشكوك التي ستثار حولها من أقرب الناس لها .
إن تجاهل الأهل في مثل هذه الحالات ، وعدم تحكيمهم للعقل والمنطق والاتزان ، كل هذا يؤدي إلى أسباب هذا التمادي والتعنت لدى النسوة ، وعدم الرضوخ للمنطق والاحتكام للعقل .
لقد قمت بعمل استقصاء عن حالات الطلاق المألوفة والناتجة عن الخلافات الزوجية الاعتيادية والروتينية ، في مجتمعنا الأردني ، قبل عدة سنوات ، ووصلت إلى رقم في ذلك الوقت ، فوجدت أن حالات الطلاق لدينا قد تجاوزت أكثر من تسعين ألفا تقريبا ، لكنَّ الإحصاءات اليوم ، قد تختلف كثيرا عن الأمس ، ولو اطلعنا عليها من مصادرها لوجدناها أرقاما خيالية مخيفة تنذر بأخطار مجتمعية جسيمة ، والمحافل القضائية التي أحملها الكثير من هذه الأخطار ، لم يعد بمقدورها حلَّ أي قضية طلاق تصل إليها ، بل لا يتعدى دورها عن كونها مراقب أو حكم يفصل في مثل هذه النزاعات دون فرض رأي الشرع الإلهي في مثل هذه الخلافات ، لأن القوانين والأنظمة اليوم أصبحت كما عرفنا من مصادر عديدة ، هي قوانين وضعية ، وربما إيحاءات من مصادر القوة ، ولا يمكن للقضاء أن يفرض قوانينه على المرأة بالكلية ، ولم يعد للرجل تبعا لتلك القوانين أي قيمة تذكر في الشرع .

إنني أجد نفسي مضطرا بالإدلاء برأيي بكل صراحة ، وبلا رهبة أو خوف ، بناء على ما عرفته واطلعت عليه فيما يخص عقليات نسائنا ورغباتها العشوائية والارتجالية التي يسلكنها لحل أي خلافات زوجية أو أسرية في هذه الأيام ، واستخدام الأساليب الخبيثة من أجل إذلال الرجل وتركيعه أمام جبروتهنّ ، وما عرفته وأعرفه عن مثيلاتهن في الغرب ، لأقول :
إن أي مطلقة لا تستطيع المحافظة على أسرتها وبيتها وزوجها ، لا تصلح أبدا بأن تشارك في بناء أسرة من جديد ، لأنَّ فشلها منذ البداية في تحمل المسئولية الأسرية والزوجية يبرهن على عدم قدرتها على أن تكون عضوا فاعلا في أسرة جديدة ، ولهذا فإن فشلها في المحافظة على أسرتها مجددا هو شيء متوقع ، فالمجرَّبُ لا يُجرَّبْ ، والفاشلُ في حياته ، لا يُعتمد عليه أبدا في أي مشروع أسري بعد ما عُرف عنه من تقصير وفشل كبيرين في حياته .
إنني أهيب بوزارة الأوقاف والإفتاء العام في بلداننا العربية ، أن ينتبهوا لمواجهة هذه المشكلات ، وأن يحاولوا إيجاد الحلول المناسبة لكل المشكلات الزوجية والأسرية بإتباع القرآن والسنة أولا ، ثم تحكيم العقل بكل صغيرة وكبيرة ، وأن لا تستمرَّ بارتكاب الأخطاء الجسيمة واتباع الأهواء في حلها ، لأن من شأنها أن تسهم كثيرا في هدم الأسر ، وضياع القيم في مجتمعاتنا ، وعليها أن لا تلتفت أبدا لغير الكتاب والسنة ، ولا لأي أمر قد يجيء من مصادر تفرضُ رأيها الشخصي على دستور حياتنا ومنهاجنا الرباني ، مهما كانت النتائج .
كما أتمنى أن تفهم النساء معنى المساواة الحقيقي الذي نهلناه من مصادر ديننا الحنيف ، وأن لا تشطَّ بعيدا عن حدود المنطق ، فتصبح بهذا مجرد صورة بلا مضمون ولا معنى على هامش الحياة ، ومهما يكن من أمر ، فإنها هي الخاسرة ، والزوج الذي يضطر يُكرهُ على طلاق زوجته ، لن يُضيره هذا الأمر كثيرا ، إن كان من باب التحدي ، لأنه يستطيع أن يجد إنسانة غيرها أكثر عقلانية وإنسانية وفهما عميقا للحياة الزوجية والله سبحانه وتعالى قد أحل له من فوق سبع سماوات ، الزواج مثنى وثلاث ورباع ، كي تستقيم الحياة .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهم نساءنا الرشد والسداد ، والامتثال إلى الحق والصواب ، إنه سميع مجيب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن خطاب…مشاركتي بتطريز كلمة.. (أشواق)

مشاركتي بتطريز كلمة..   (أشواق) أشتاق للفجر كي أشتمَّ نسمتها  وأرقب الصبح كي أحظى بلقياها  شوقي ديارٌ وما زالت تراسلني  عبر النسيم ونبض القل...