( الوقوف بعرفات)
يا واقفينَ بأعــظمِ الوقفــاتِ
هَيَّجتُمو قــلـبيْ إلـى عــرفاتِ
نـِــلتُــم مُراداً عالياً مِن ربــِكُمْ
وأنـــا حبــيسُ الدارِ والأهـــاتِ
طِبتُم وطابَ نزولُكُمْ للــهِ في
خــيرِ البقاعِ وأشرفِ الأوقـاتِ
لمَّا رأيتُ جُموعَكَم في أرضِها
بــــاتَ الفؤادُ يَعُــجُّ بالحسراتِ
ها أنتُمُ اليومَ ابتغيتُم بالمُنى
بُـــــلـِّغتُــمُ الآمــالَ دونَ فـــواتِ
وقد اعتلتْ أصواتُكم في بيتِهِ
بالذكــرِ والتكــبيرِ والدعـواتِ
لبَّيكَ يا مَن لا شريكَ لِمُلـكِـهِ
لبَّيــكَ فيِكُم مــِلئُ كُلِ شِفــــاةِ
وقفَ الجميعُ على صعيدٍ واحدٍ
بِتــَـذَلــُـلٍ وتَخــَشـُّــعٍ وثـــبــــاتِ
مـِـن كُلِ فجٍّ تَجمعونَ قلوبَــكُمْ
لـــلــــــهِ بــعـدَ تَـفــرُّقٍ وشــتــاتِ
فتمازجتْ أرواحـُــكُم بمحبةٍ
رغمَ أختلافِ الأرضِ والبلْداتِ
قُـلتُم بصوتٍ واحدٍ لبـَّـيكَ يا
داعيَ الحجيجَ بمحُكمِ الأياتِ
لبَّيكَ يامَن قالَ أذِّنْ في الورى
يَأتـُوا رجِالاً مُـسرعي الخطواتِ
وعلى الضوامرِ يَمتطونَ بلهفةٍ
مِن كلِ فـــجٍ بعدَ خيرِ حُـــداةِ
لبــَّـيكَ يارحمنُ تلبيةَ النــِّدا
فعلى المُنادَى واجبُ الطاعاتِ
للهِ ما أحلى الحجيجُ وصوتُهم
مِلئُ الفضاءِ بأعذبِ الأصواتِ
رغمَ اختلافِ لسانِهم وكلامِهم
هتـــفُوا ولم يَتفرقوا بلغـــاتِ
قد وحَّدُوا أهدافَهم ولغـاتِهم
وتَوَحَّدوا في الدينِ والغاياتِ
لَبِسُوا لـِباساً أبيضاً مُتـــساوياً
وتجـرَّدوا عن أكـــثرِ العـــاداتِ
لا فرقَ بينَ قويِهم وضعيِفهم
أو أَبيضٍ أو أســـودِ البــشــراتِ
لا فرقَ بينَ غنيِّهم وفقيرِهم
لا فرقَ بينَ العـبدِ والساداتِ
مرؤسُهُم ورئيسُهُم وأميرُهـُــم
الكــلُّ بالأســماءِ دونَ صفاتِ
يَتــفاضَلونَ لـَـهُ بأمــرٍ واحـدٍ
بالدينِ والأخلاقِ والحــسناتِ
ياليتَ شعري لو رأيتَ وجوهَهُم
ورأيـتَ مــا فيــها مِن البهجــاتِ
قد بَلَّلـُـوا أجسامَهم بدموعِهم
سكبُـوا هناكَ الدمعَ والعبراتِ
يبكونَ إجلالاً وخشيةَ ربِهم
وكأنَّــهم صُعِقُوا من الزفراتِ
يرجونَ رحمةَ ربِهم وقبولَهم
ورجـــاءُهُم بإقالةِ العثـــراتِ
رفعوا الأكَفَّ تَضرعاً لِمليكِهم
أن يــــغفــــــرَ الأثـــامَ والزلاتِ
واللهُ قد باهى بهِم وبجمعِهم
أهلَ السماءِ وأسبلَ الرحــماتِ
نادى ملائكةَ السماءِ لِيشهدوا
تلكَ المجامعَ في ذرى عرفاتِ
قالَ أنظروا تَلكُم عباديَ أقبلوا
شـُعثاً وغُبراً في مَسيرِ حُفــاةِ
فلْتَشهدوا أنَّي غفرتُ ذنوبَهم
ورفعتُــهم في أرفعِ الدرجــاتِ
وقبلتُ دعوتَهُم ومَن شَفعُوا لهُ
وغسلتُــهُم مِن أسوءِ الحوبـاتِ
إنِّي لَأُشهِدُكُم رَضِيتُ عليهُمو
وجَزيتــُـهُم بالحورِ والجــناتِ
لا يَرجــعونَ لِأهلِهم إلا و هُم
بصحائفٍ مِن أنصعِ الصفحاتِ
يالَــــلـَهناْ للواقفينَ بفـــوزِهــم
نالُـوا مِن الرحمنِ خيرَ هـباتِ
ياربُّ إنِّى لوحُرِمــتُ وقـوفَهَــم
فالقلبُ موقوفٌ عن الشهواتِ
ما صدَّنِي عَن جمعِهِم إلا الذي
تــَدرِيــهِ والأعمالُ بالنـــياتِ
إنْ كانَ قد رَمَوُا الجِمارَ وكبَّرُوا
فأنَـــا رميــتُ الإثمَ والشبهاتِ
فاكتبْ لنا مِن أجرِهِم ونصيبِهِم
واجعلْ لنا حــظاً مِن النفحاتِ
واجمعْ قلوبَ المسلمينَ كيومِنا
بِمـــحــبةٍ وتقـــاربِ الوجهــاتِ
حتى يكونُوا أُمَّـــةً مرصوصةً
مَرفــوعةَ الهامــــاتِ والراياتِ
وابلِغْ رسولَ اللهِ ساكِنَ طيبةٍ
أزكى السلامِ وأفضلِ الصلواتِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق